إذا ما كانت الولايات المتحدة تسعى لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل في منطقة الشرق الأوسط، فيجب أن تبدأ بتمكين الأصوات المعارضة في دول الخليج. ويؤكد تقرير أصدرته مؤسسة تشاتام هاوس البحثية، وقدم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي الأسبوع الماضي، على الحاجة الملحة لمثل هذا الإصلاح. واااغفاتغفعفقعتفغهو يصور العقد الاجتماعي والسياسي الراهن بين الدولة والشعب في الخليج على أنه عقد لا يستطيع الصمود على المدى الطويل، حيث أصبح المواطنون في المنطقة أكثر اهتمامًا في الحصول على الحق في المشاركة المدنية، إما عن طريق الانتخابات أو حرية التعبير.
ولسوء حظ المجتمع المدني في الخليج، استخدمت هذه الدول التكتيكات الاستبدادية على نحو متزايد في خنق المعارضة السياسية. والأسوأ من ذلك، هو أن هذه الدول تبدو متحدة في معارضتها لتحقيق أي تقدم سياسي. وكان توغل قوة مشتركة في البحرين لقمع حركتها الاحتجاجية الغير عنيفة إلى حد كبير مثالًا واضحًا على ذلك. وفي عام 2011، أرسلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وحدة من ألفي جندي ومن المدرعات الثقيلة إلى المملكة، مجبرةً الأغلبية الشيعية المحرومة في البلاد على الخضوع.
وقد أثار سلوك السعوديين القليل من الشبهات في الولايات المتحدة، في حين أدى رد فعل الكونغرس على إجراءات مماثلة اتخذتها روسيا إلى إيصال الأمور لحافة الحرب.
وفي جميع أنحاء الخليج، استخدمت الحكومات اليد الثقيلة في رد فعلها على السخط المدني، المعبر عنه إما من خلال المظاهرات أو التذمر على صفحات الإنترنت. ووفقًا للمحللين، سيفشل هذا الرد في تقديم حل طويل الأجل. وطوال النصف قرن الماضي، وفر زعماء دول الخليج الرفاه الاقتصادي في مقابل قبول شعوبهم بالحكم الملكي، وبالقليل من حرية التعبير، وبالحرمان من حقوق التصويت.
ويؤكد التقرير أن هذا العقد السياسي غير قابل للاستمرار، وأن الردود الرجعية على المعارضة السياسية أدت لاتساع الفجوة بين ما يريده الشعب والحقوق التي تبدو الحكومات مستعدة لمنحها.
لا تسامح على الإطلاق مع النقد
منذ عام 2011، وزعت الحكومات الخليجية عائدات النفط على مواطنيها بسخاء أكثر، وفي الوقت نفسه، عززت سلطتها عن طريق وضع النشطاء وراء القضبان، وتضييق مساحة النقاش النقدي.
وقد وصفت واحدة من أعضاء الفريق الذي أعد التقرير، وهي كريستين سميث ديوان، الاستراتيجية الجديدة التي وظفتها هذه الدول مجتمعة من خلال تضمين سياساتها القمعية في تدابير مكافحة الإرهاب القانونية الجديدة. ولاحظت ديوان: “يمكننا أن نرى هذا من خلال قانون الإرهاب المعدل في البحرين، ومن خلال قانون مكافحة الإرهاب الجديد في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة“.
وقد استخدمت الحكومات الخليجية المخاوف الأمنية الوطنية في تعطيل، إن لم يكن تدمير، حياة المعارضين السياسيين لها. وأضافت ديوان أن هذه الاستراتيجية المرهقة مصممة “للحفاظ على نشطاء الحقوق السياسية وحقوق الإنسان إما في السجن أو في المحاكم“. وقد ذهبت بعض الحكومات إلى ما هو أبعد من ذلك، وقامت بسحب الجنسية من الناشطين السلميين.
وجاء هذا الاتجاه نحو السيطرة المطلقة، في نفس الوقت الذي أصبحت فيه سياسات الحكومات الخليجية الخارجية أكثر حزمًا. وقالت ديوان إن نفس التكتيكات المستخدمة لإعاقة التغيير السياسي المحلي قد “تطبق على أي تعليق أو انتقاد للسياسة الخارجية، حيث أن أمير الكويت نفسه أعلن عن سياسة عدم التسامح تجاه أي نوع من النقد للحكومات الخليجية وللحلفاء“.
وكدليل على هذا، استشهدت ديوان بنسخة مسربة من اتفاق أمن دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2012، تنص على السماح بتسليم المواطنين المطلوبين من قبل دول الخليج الأخرى، بالإضافة إلى إنشاء “قوة شرطية جديدة لدول مجلس التعاون الخليجي، وإجراء مزيد من التنسيق في تتبع أو منع سفر الناشطين“.
ومن الممكن أن تكون تداعيات هذه الاتجاهات خطيرة. وقد لخص جميل دي دومينيغس المخاطر الجدية لمقاومة إجراء التغيير، وقال: “بطريقة ما، يعزز هذا العلاقة الحالية بين الدول والمواطنين في الخليج، في الوقت الذي يحاول فيه الكثير من الناس في الخليج إعادة تعريف هذه العلاقة؛ وبالتالي، قد يؤدي هذا إلى خلق الكثير من الاحتكاك“.
ويقول التقرير إن هذه السياسات تتناقض مع الوعي السياسي المتغير بشكل جذري في الخليج. وقد استنتج مؤلفو التقرير هذا بناءً على أمور مثل الربيع العربي، وظهور تكنولوجيا تبادل المعلومات، ومن خلال الاتصالات الشخصية مع أفراد في منطقة الخليج. ومع ذلك، قد يكون أولئك الذين يتحدثون عما في عقولهم وعن معاناتهم لا يمثلون أغلبية صامتة في هذه المجتمعات، بل أقلية صاخبة.
انهيار العائلات المالكة
لدى الولايات المتحدة مصلحة كبيرة في رؤية حلفائها في الخليج وهم يعتمدون على أنظمة سياسية أكثر انفتاحًا، وشمولًا، وتعزيزًا للقيم الغربية. ومن خلال انتهاج هذا المسار، يمكن للدول الخليجية التقليل من عدد الشباب الساخطين الذين يسيرون باتجاه سوريا. ولكن، حكام الخليج قد ينظرون إلى هؤلاء المتطرفين كثمن لا بد لهم من دفعه للحفاظ على قبضتهم على السلطة.
وفي النهاية، سوف تتحمل الولايات المتحدة العبء الرئيس لمواجهة المتطرفين من أصل خليجي في المستقبل المنظور. ولدى دول الخليج أيضًا حافز للسماح باستمرار عدم الاستقرار على حدودها القريبة؛ حيث إن تنامي الاضطراب لا يبرر فقط استخدام قوانينهم القمعية ضد الإرهاب، بل ويؤدي أيضًا إلى ازدهار دورهم كأطراف صانعة للأمن.
ولكن، أعضاء الفريق الذي أعد التقرير قدموا حافزًا مضادًا للحافز السابق من خلال الإشارة إلى أن دول الخليج لن تستطيع تحقيق أهدافها الاقتصادية إذا ما استمرت بالحد من الحقوق السياسية. وقال الزميل في تشاتام هاوس، جين كينينمونت: “إن دول الخليج تدرك تمامًا أنها بحاجة إلى إبعاد اقتصاداتها عن الاعتماد على النفط“. مضيفًا أن لدى هذه الدول جميعها رؤى استراتيجية واسعة لنقل اقتصاداتها إلى ما من شأنه أن يكون “اقتصاد معرفة“، ينطوي على إعادة مداولة دور الدولة.
ولكن الربيع العربي، مع ذلك، أعاق التقدم في هذا الاتجاه. وقال كينينمونت: “ما رأيناه منذ الاضطرابات في عام 2011، هو العودة إلى سياسات المدى القصير. وكان هناك تركيز على الإنفاق المالي، من خلال منح زيادات في الرواتب، وخلق فرص عمل جديدة في القطاع العام“. ورأينا الملك السعودي الجديد وهو يضع الأسس لمنصبه من خلال تقديم المنح الجديدة، وإنفاق ما يقدر مجموعه بحوالي 32 مليار دولار.
ويشير تحليل كينينمونت إلى أن الحكومات الخليجية تستطيع الاستمرار في “شراء” الرضا، ولكن على حساب تأجيل القيام بالتغييرات الهيكلية، مثل الخصخصة. ومع ذلك، ومن خلال اختيار التراجع عن الإصلاح الاقتصادي حتى الآن، كشفت دول الخليج عن أن أولوياتها تكمن في الحفاظ على السلطة. وسوف تحاول هذه الدول إدارة الإصلاح الاقتصادي دون المساس بالتفوق السياسي للعائلات المالكة.
وقد يكون نجاح الصين في الجمع بين التحول الاقتصادي والركود السياسي مثالًا جذابًا؛ إلا أنه، وفي حال كان هؤلاء المحللون محقين في تقييمهم للمزاج السياسي الموجود حاليًا في شوارع الرياض والدوحة وأماكن أخرى من الخليج، فقد يؤدي هذا إلى انهيار العائلات المالكة هناك، وهو ما سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاضطرابات في الشرق الأوسط.