هشام الشلوي
يثير فوز الباجي قائد السبسي بالرئاسة التونسية تساؤلات لدى الكثير من المراقبين الليبيين، لجهة انعكاسه على العلاقات الليبية ــ التونسية، في ظرف تشهد ليبيا فيه انقساماً سياسياً حاداً، ومعارك عسكرية في أغلب الشريط الساحلي، خصوصاً حول الهلال النفطي الليبي في منطقة ميناء السدرة، بين قوات مؤيدة للمؤتمر الوطني العام وأخرى موالية لمجلس النواب الليبي المنحل في طبرق، المتحالف مع اللواء المتقاعد، خليفة حفتر. وينبع جزء كبير من مصدر القلق، من واقع أن الأزمة الليبية تتداخل فيها المؤثرات الداخلية كما الخارجية. خارج تقع تونس ودول أفريقية وخليجية أخرى في قلبه.
ويتخوّف بعض المراقبين من أن تحصل تعديلات في سياسة تونس تجاه الأزمة في ليبيا بما يسمح باستخدام الأراضي التونسية كمعبر لتهريب الأسلحة لفصائل ما يُعرف بـ”جيش القبائل”، و”كتائب القعقاع” و”الصواعق” و”المدني” الذراع السياسية لحزب تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل، والمتحالفة مع حفتر، والتي تخوض معارك مسلّحة في غرب ليبيا ضد قوات ما يُعرف بـ”فجر ليبيا” الموالية للمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته.
ويرى مراقبون أن النظام التونسي الجديد ليس لديه خيارات كثيرة حيال الوضع الليبي المعقّد، في ظل وجود برلمانين ليبيين وحكومتين، وعلى ميادينه العسكرية قوات تابعة لرئاسة أركان منبثقة من المؤتمر الوطني، وأخرى منبثقة عن مجلس النواب المنحل في طبرق.كما لا يُخفي بعض الليبيين، خصوصاً المرتبطين بميادين القتال، تخوّفهم من أن يضيّق نظام الرئيس التونسي الجديد على دخول جرحى العمليات العسكرية من قوات “فجر ليبيا” إلى الأراضي التونسية للعلاج، معتبرين أن تونس هي المتنفس الوحيد الأقرب إلى مدن ومناطق غرب ليبيا حيث تدور المعارك العسكرية.
من جهة أخرى، يرى مراقبون أن النظام التونسي الجديد برئاسة السبسي لن تكون لديه مساحات واسعة للمناورة في القضية الليبية والانحياز إلى طرف من دون الآخر، إذ إن جزءاً مهماً من العائدات التونسية تعتمد بشكل كبير على الاقتصاد خصوصاً ما يتعلق بـ”السياحة العلاجية”، كما أن سكان المناطق الحدودية التونسية مع ليبيا يعيشون على التجارة العابرة بين البلدين.
وفي حال انحياز تونس كنظام سياسي إلى طرف عسكري أو سياسي ليبي دون الآخر، فقد يضرّ ذلك بمصالحها الاقتصادية مع ليبيا، ويزيد أعباء اقتصادية جديدة على نظام بدأ منذ اليوم الأول يواجه مطالب اجتماعية خصوصاً في الجنوب التونسي.
لكن في حال ضخ أموال من بعض الدول العربية لإنعاش الاقتصاد التونسي، فقد يؤدي ذلك إلى تغيير الحسابات السياسية التونسية تجاه الأزمة الليبية، ويدفع تونس إلى تبني وجهة نظر الموالين لحفتر ودعمه انطلاقاً من الأراضي التونسية.
إلا أن أسئلة أخرى تُطرح حول دور الجزائر في تونس، إذ إن الجزائر لن تسمح بأن تكون تونس منطقة نفوذ لصالح التدخل العسكري في ليبيا، أو استخدام أراضيها قاعدة لإدخال السلاح لليبيا بطريقة منظمة وبرعاية أجهزة الدولة الرسمية.
فالجزائر تكاد تكون البلد الوحيد في شمال أفريقيا الذي لديه موقف معلن رافض للتدخل العسكري في ليبيا، ومؤيد لطريق التفاوض والحوار المفضي إلى تسويات تنهي الاقتتال الداخلي والأزمة السياسية الحالية، بعكس مواقف أفريقية وعربية عديدة تجاهر بضرورة حصول تدخل عسكري خارجي تحت شعار “مكافحة الارهاب”.
وباعتبار أن الجزائر دولة لها طموح بأن يكون لها دور ريادي، ولديها من الإمكانات المادية والبشرية ما يؤهلها لذلك، فإن السياق السياسي التونسي لن يخرج عن الخط العام الجزائري في ما يتعلق بالسياسات الخارجية.
إلا أن عالم المتغيرات السياسية قد يشهد ما يشبه الصفقات مع الجزائر، يتضمن أن تتخلى الأخيرة عن الملعب الليبي مقابل تونس، ولكنها صفقة قد لا تُرضي طموح القيادة الجزائرية، وخصوصاً أن ليبيا بلد حدودي مع مصر، صاحبة النفوذ القوي في ليبيا، في ظل أزمات اقتصادية مصرية خانقة.
تبقى جميع الاحتمالات مفتوحة بعد نجاح السبسي في الوصول إلى السلطة، مع أغلبية برلمانية مريحة في حال تحالفه مع أحزاب صغيرة ومستقلين داخل البرلمان التونسي.
نقلا عن: العربي الجديد