سليم الجلال*
نقصد بالفئوية اجرائياً:(حزب،نخبة،طبقة،منطقة،عسكر،قبيلة،فئة،جماعة،طائفة،حركة سياسية او اجتماعية)وهذا التعريف الاجرائي مستنداً الى الاكاديمي والخبير الاقتصادي العربي زياد حافظ،كما انه يمكننا ايضاً اشتقاق مايسميه المفكر السالف الذكر ذاته(الفئوية التضامنية)اي حاصل مجموع مااوردناه اعلاه في التعريف الاجرائي بمعنى خليط من العسكر والمذهب والحزب والمنطقة والنخبة والطائفة والفئة..الخ.
-وللعلم عند تدقيقنا في كل فئة على حدّة نجد انها تشتمل على مفهوم الفئوية التضامنية داخل كل فئة ولكن في اطار اضيق ولكن المفهوم والتعريف الاجرائي دقيقاً للغاية ومنهجا علميا وسبرا معرفياً خالصاً.
– ولهذا لن نكون مبالغين اذا ما تم النظر على ان تلك (الفئوية التضامنية) هي بالظبط اصل الداء في حياة اليمانيين عموماً وأنها المغذي والموجّه العام لكل تلك الأدواء والأزمات المركبة والمستفحلة والملفات الغائرة دماً وصديداً في جسد ووجدان اليمانيين مجتمعيّاً.
-هذه الفئوية التضامنية ليست اصلّ داء اليمنيين والمشبّعة بثقافتها السياسية كرافعة لها -فحسب -بل وانها احد اهم اسبابها ونتائجها معاً،ولهذا اتمنى على حضراتكم مشاركتنا تطوافاً ممتعاً في القراءة والمثاقفة والنقاش ابتداءً،ناهيك عن ترحابنا الكبير والودود بتقديم ماترونه مناقضاً لنظرتنا تلك انتهاءاً.
اولاً:في معنى ذلك اجتماعياً/نفسيّاً:
—————————————-
*سيادة داء التعصب وتشيؤ العصبويات المقيتة، وخلق حالة من الفرز والتشرذم،ونرجسيّة (الأنا)المنفلتة من كل عقال،اضافةً الى تغوّل سياسة التذرير المشبّع بالشعور بالظلم والاحساس بالتهميش والإقصاء الممنهج، ناهيك عن حلول اللاثقة ونظرة الشك بالذات والاقرب محلّ الثقة والتعاون،وبالتالي فلا انسجام وجداني مع الذات والآخر القريب وانشاء منظار رؤيوي بائس في الفهم للاسف.
*خلق كنتونات مغلقة ومنكفئة ومنقسمة على الذات وبنفس الوقت تعاني انفصاما حآدّ عموديّاً وافقيّاً على حدّ سواء.
*سيادة روح الاستقطاب وفقاً للدائرة الاضيق داخل كل فئة على حدّة والاوسع منها وفقاً للدائرة المحليّة ككل،وصولاً الى حالة من الفرز الحادّ والاستقطاب المتعدد وفقاً للدائرة الاكثر اتساعاً اقليمياً سواءً باتجاه الفاعلين من غير الدول كالجماعات او عبر الدول ذاتها ووفقاً للنظامين الرسمي وغير الرسمي.
*اذن فنحن امام حالة من الاغتراب الممضّ والموزع تذريراً افقياً وعمودياً وسواءً داخل الفئةالواحدة كمكون للفئوية التضامنية ذاتها او بوصفها جزء من المكوّن الاجتماعي العام داخل الدولة وخارجها وفي كل اتجاه ودفعةً واحدة وان بدرجات متفاوتة حسب انفتاح اللحظة او المرحلة وما تقتضيه وفقاً لمنظورهم السقيم مصلحة(الانا) ونرجسية الذات باسم الفئة تلك وبالضد من الاخريات وبالتالي استمرار هذا الغبن وذلك الشعور المضيم ولا مصداقية الجميع من ثمّ.
*الأخطر من كل ذلك ان المنظار الرؤيوي المتعفن هذا يرسّخ وهماً مؤلماً وفاعلاً(سلبياً)بأن هذا سيفضي وفقاً لما تقدم الى الخروج من معمعة التخلف بابعاده المختلفة والركون الى ذلك الوهم يعني سقوطاً متوالياً ومتتالياً ومتوازياً في براثن السقوط المدوّي للتخلف ذاته وبحيث ان ذلك السقوط يصبح حلقة من حلقات التخلّف عينه،اي بلغة اخرى تمأسس ذلك التخلف وبالتالي استقراره واستمراره على نحو ينبئ بفاجعة وهذا هو حالنا او ان ثمة من ينكر؟
*الأنكى ان كل ما بيّناه يصبح مٌعيّقاً ومعضلة مركبة ومعقدة في طريق اي تغييّر طمعاً في الخروج من الحلقة الجهنمية تلك،وان اي حراك تغييري لن يكون الا من خارج تلك الكنتونات المغلقة والمتوّهمة،وبحيث يعود الى نقطة البدء اللعينة تلك اي الدوران في حلقة التيه المفرغة عندها لاجديد البتة سوى الألم والجأر بالشكوى،شكوى الجميع من الكل،اقارباً وبعيداً غريباً وموجها الى الكل.
-والأمرّ(من المرارة)ان سكلوجيّة القهر والاحساس بالذل والمهانة والاستكانة للألم تثمر عن شلل في الفاعليّة والاستسلام من ثمّ للامر الواقع،وبحيث يصبح ذلك الاحساس والشعور السلبي استلاباً مدمراً يغذي شعوراً ممتلئ بالوهم والقذارة بأن هكذا وضع هو الأفضل والانسب والاصلح واننا وبكل بجاحة الجديرون بالاحتذاء والاقتداء والبدء بنسج خيوط اوهى من بيت العنكبوت ومحاولة تسييجها بصبغات دينيّة وعادات وتقاليد وقيمنا محافظة،اي بلغة درويش قتل(داء الأمل).
ثانيّاً:في معنى ودلالات ذلك قانونيّاً /حقوقيّاً:
————————————————-
*لامعنى لوجود القانون وتغييب لثقافته تماماً وبحيث العٌرف يصبح هو القانون والعادة اضحت مقدس وعبادة،وان ماهو حق لك هو ليس كذلك بل هو حقي واغتصبتني اياه ولابد من استعادته حرباً وتحالفاً مع الشيطان وبالضد من الجميع،اضافةً الى ان تلك الفئوية تصبح العلاقة بينها ومايسمى الدولة والقانون ملتبسة ولاتمر الا من خلال تلك الفئوية،اي منع اي علاقة فردية في المجتمع وبحيث تتسّم بالافقية لا العمودية.
*سيادة التغلب وثقافته الموبوءة والركون الى العصبويات المفتئتة على ذاتها والمتكشفة/المنكشفة على الاخر،ولذلك نلحظ عند لحظة تعارف معينة يبادرك بسؤال من اين انت؟،فضلاً عن شيوع ثقافة اليوم لك وبكرة عليك وتجذيرها،وهلمّ جرّا من دورات الصراع والعنف والقهر والانكشاف الكلي والجزئي على حدّ سواء.
-ينتج عن ذلك ضياع الحقوق واهدار القيم واستباحة للفضيلة واغتيالا للحلم ووأدّاً لاي مشروع بنّاء.
ثالثاً:في معنى ودلالات ذلك سياسيّاً:
——————————————
*تصبح السلطة غنيمة وبكل ما للكلمة من معنى كثيف الدلالة والحضوراولاً وثانياً وثالثاً واخيراً ووفقاً لمعطيات الفئوية المرذولة تلك.
*القضاء التام على مفهوم الدولة ومكانتها واغتيالا لارادتها معنويّاً على الاقل،ناهيك عن تجيير ادواتها ووظائفها الماديّة لصالح تلك (الفئوية التضامنية) وبالتالي فلا معنى ولا وجود لها الاّ بما تقتضيه سلطة الفئوية تلك ومايترتب على ذلك من منع قيام اي مجتمع سياسي اواهلي حديث .
*استباحة الحقوق ومصادرة الحريّات وتجيير قيم العدالة والتوزيع وافراغها من محتواها وبما يضمن الفئوية التضامنية كمتغير مستقل ووسيط وتابع معاً.
*ان مايسمى بالشرعية السياسية والمشروعية القانونية والاعتبارية لاوجود لها مطلقاً ووفقا للمعايير المتعارف عليها وبحيث تصبح الشرعية هي شرعية الغلبة والقهر او مايسميه ابن خلدون(تزاوج السيف والقلم)او المثقف والسلطة الحربية او العسكرية بلغتنا اليوم والمفضي الى مايسميه المفكر زياد حافظ(الكلبتو قراطية)اي حكم اقلية اللصوص.
* سحق قيم المواطنة والمساواة ومصادرة حق المساءلة وانعدام روح المسؤولية وحتى الاحساس بالقلق حيال ذلك وبالتالي انعدام وفقدان البعد الريؤي لكيفيّة الخروج حيث يصبح تيها منظماً.
*خلق جهاز(بيروقراطي)اداري متضخّم ومتغّول يقوم بسدّ جميع منافذ الحياة ولايساعد على اصلاح الاوضاع او تضييق الهوّة ومحاصرة الهفوات لتلك السلطة،والانكى تحّوله الى (صنم) على المجتمع تقديم الولاء له وبدون اي خدمة من طرفه للمجتمع وبحيث تصبح وظيفته الاساس تجميد دم المجتمع وبما يضمن عدم قيام اي حراك للمجتمع ككل وحتى داخل كل فئة من الفئات المشكّلة له ابتداءأ.
*تحويل كل المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية وحتى مايسمى بالسلطة الرابعة(الاعلام) الى مجرد هياكل شكلية خالية من الهدف والغايات والوظائف والمهام باستثناء الزيف والمخاتلة، ناهيك عن تحويلها الى مرتعاً للمحسوبية وجزء من (الزبائنية السياسية) وبما يضمن تحويل المأساة الى ملهاة.
*كبح اي نشاط اجتماعي او سياسي ومصادرته وبما يمنع بروز وانتاج القيادات السياسية الحقة والزعامات الملهمة والشخصيات الكاريزماتية المتعاضدة مع الشعب والمجسدة لآمآله وفصل تلك القيادات ان وجدت بجهدها عن بيئة المجتمع الحقيقية وتضاريس الخارطة السياسية ومنعها من ممارسة اي نشاط يذكر.
*تحويل القوة كمفهوم ودروب حيازتها بتشعباتها المختلفة الى استراتيجية منفصلة عن السياق العام والاهداف والوسائل والادوات الصائبة وبالتالي فالفناء حليف تلك القوة المنتهجة بناء على تلك الاستراتيجية.
* تصبح الاحزاب والنقابات وجماعات المصالح والضغط ومنظمات المجتمع الاهلي والمدني الحديث برمتها الى مجرد بيادق بيد تلك التسلطية الفئوية والمرذولة،فضلاً عن انتقال تلك الفئوية الفجّة الى داخل تلك المنظمات والاحزاب وجماعات الضغط والمصالح وهذا ملموس ومشاهد وبحيث تكون جزء من الزيونية السياسية تلك وترسيخ انفصال الحقيقة الاجتماعية عن السياسية.
* تصبح تلك الفئويةالتسلطية وكما بيّنا الى ليس فقط معززة للفساد بل ومتعاضدة معه وثقافته وبحيث تصبح نتيجة وسببا معا.
اخيراً:
—–
*وعليه فلاغرو من ان نرى ونلمس حتى القرارات على اعلى مستوى للدولة والحكومة وماسواها من دوائر لاتكاد تخرج عن تلك الفئويات القذرة وحتى ان اي تفسير للنشاط العام اياً كان لاتستطيع قراءته الا من تلك الزاوية،وعليه فهذا الشلل العام ورفع العقيرة بالشكوى في وسائل الاعلام المختلفة وكل هذا الدمار والموت اليومي والتردي المجتمعي لا نستطيع ايجاد تفسير له الا من خلال هكذا قراءات سيكلوجية وسسولو جية وسياسية وقانونية وادارية على المنوال الذي طرقنا..فهلّا دققنا ناقوس الخطر؟
_____________________
* د. محمود العزاني – أكاديمي من ليبيا.
ملحوظة(هذه القراءة جزء من مشروع دراسة ينوي الباحث باستكمال حلقاته وبشكل معمق واكثر شمول).